غزة تشهد مظاهرات نادرة ضد حماس وسط معاناة إنسانية متفاقمة

كتب: عمرو خالد
شهد قطاع غزة، يوم الثلاثاء، مسيرات احتجاجية غير مسبوقة منذ بدء الحرب الأخيرة، شارك فيها مئات المواطنين للتنديد باستمرار القتال والمطالبة بوضع حدٍّ للمعاناة الإنسانية المتزايدة. انطلقت المظاهرة الرئيسية من بلدة بيت لاهيا شمال القطاع، حيث رفع المشاركون لافتات تدعو للسلام وإنهاء القتال، وسط هتافات تعبر عن سخطهم من استمرار الحرب و انتقاداتٍ لاذعةٍ لدور الفصائل المسلحة في تعريض المدنيين للخطر.
شعارات متنوعة ومواقف متباينة
تنوعت الشعارات التي رفعها المتظاهرون، رجالًا ونساءً وأطفالًا، فمنهم من هتف بـ«بدنا نعيش بسلام وأمان»، و«دماء أطفالنا ليست رخيصة»، و«أوقفوا شلال الدماء»، و«نرفض أن نموت». لكن اللافت كان ظهور شعارات مناهضة لحركة حماس بشكلٍ واضح، حيث ردد البعض هتافاتٍ مثل: «أوقفوا الحرب»، و«دماء أطفالنا ليست رخيصة»، و«حماس برا (أي إلى الخارج) وغزة حرة»، و«هيِّ هيِّ حماس إرهابية»، و«من بيت لاهيا الآبية بدنا نعيش بحرية».
المظاهرات في ظل أوامر الإخلاء
جاءت هذه الاحتجاجات في أعقاب صدور أوامر إخلاء عسكرية إسرائيلية لسكان بيت لاهيا، مما زاد من غضب الأهالي الذين عانوا من النزوح المتكرر لأكثر من 15 شهرًا. وقدّرت أعداد المشاركين في المظاهرة، التي وصفت بأنها عفوية، بالمئات. سار المتظاهرون من جانب مخيم للنازحين بين المنازل المدمرة، وتوقفت المسيرة في عدة مواقع رئيسية، أبرزها «دوار زايد» القريب من المستشفى الإندونيسي الذي تعرض لهجمات متكررة خلال الحرب.
حمّل بعض المتظاهرين حركة حماس مسؤولية تفاقم الأوضاع، مؤكدين أن إطلاق الصواريخ من مناطق قريبة من البلدة ساهم في التصعيد العسكري الإسرائيلي، ودفع السكان للدفع ثمن المواجهات. وشدد المشاركون على رفضهم استمرار المواجهات المسلحة التي يدفع ثمنها المدنيون، مؤكدين أن النزوح المتكرر واستهداف الأحياء السكنية يزيد من معاناتهم اليومية.
شهادات من قلب الحدث
قال أحد المتظاهرين لـ فرانس برس : «نحن شعب مسالم، نريد أن نعيش وهذا أقل مطالب الحياة، نريد أن نعيش، أوصلوا رسالتنا هذه إلى كل الأمة وللقيادة». وأضاف: «نريد أن نعيش، يكفي. الناس بحاجة إلى أموال لأجل أن تنتقل ولكن لا يوجد مال، لا يوجد مكان نعيش فيه، أين نذهب؟ نريد أن نعيش»، وهتف المتظاهرون: «بدنا نعيش».
أكد مجدي، أحد المشاركين، أن التجمع بدأ قرب خيام النازحين ثم تحوّل إلى مسيرة أكبر مع انضمام المزيد من السكان. وأشار إلى أن بعض المشاركين حمّلوا «حماس» مسؤولية الوضع الحالي، متسائلين: «إذا كان خروجها من الحكم هو الحل، فلماذا لا تتنحى لحماية الشعب؟»
وأوضح محمد، أحد المشاركين الآخرين، أنه لم يكن هناك منظم واضح للمظاهرة، لكنه انضم إليها للتعبير عن رفض الحرب وإيصال رسالة للعالم بأن «الشعب يريد الحياة». وأضاف أنه شاهد عناصر أمنية تابعة لـ«حماس» بلباس مدني حاولوا تفريق الحشد سريعًا.
لم يتضح إذا ما كانت مثل هذه التظاهرات ستخرج في مناطق أخرى في قطاع غزة.
صدى المظاهرات على مواقع التواصل
شهدت منصات التواصل الاجتماعي تفاعلات واسعة حول هذه الاحتجاجات، حيث انقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض. اعتبر البعض أن هذه الاحتجاجات تعكس حالة السخط الشعبي من الأوضاع الكارثية. حتى مساء الثلاثاء، لم يصدر أي تعليق رسمي من حماس أو وزارة الداخلية حول الاحتجاجات، لكن العديد من الناشطين نشروا صورًا ومقاطع فيديو توثق المسيرة، وانتشرت دعوات على تطبيق تليغرام telegram.org/” target=”_blank”>Telegram لتنظيم احتجاجات مماثلة في أنحاء مختلفة من غزة.
دعوات لإعادة النظر في الوضع الراهن
دعا المتحدث باسم حركة فتح في غزة، منذر الحايك، حركة حماس إلى مغادرة المشهد السياسي، محذرًا من أن استمرار الوضع الحالي قد يؤدي إلى «إنهاء الوجود الفلسطيني». كما دعت جبهة النضال الشعبي الفلسطيني حركة حماس إلى «الاستجابة لصوت الشعب في قطاع غزة». وأكدت أن «سياسة التخوين والتكفير لن تجلب إلا المزيد من الشرذمة والويلات على شعبنا»، داعيةً حماس للعودة إلى حضن الشرعية الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية.
ورغم صعوبة قياس حجم المعارضة الفعلية داخل قطاع غزة لحركة حماس، إلا أن استطلاعات الرأي تشير إلى تراجع شعبية الحركة. وقد ارتفعت حصيلة القتلى منذ استئناف العمليات العسكرية إلى 792 فلسطينيًا، غالبيتهم من الأطفال، وسط تحذيرات دولية من تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع.