صراع مرير على ديوان المحاسبة الليبي: انقسامات سياسية تهدد استقلالية المؤسسة

يشهد ديوان المحاسبة الليبي، أعلى سلطة رقابية مالية في البلاد، صراعًا مستمرًا يُبرز حجم الانقسامات السياسية التي تعصف بالبلاد. فبينما يظهر الصراع على السطح كونه متعلقًا بهوية الرئيس، إلا أن خلف الكواليس تكمن تفاصيل تُجسّد بعمق الأزمة السياسية الليبية.
أزمة ديوان المحاسبة
تتصاعد حدة الصراع حول ديوان المحاسبة وسط انقسامات سياسية حادة، تهدد بشكلٍ مباشر استقلالية هذه المؤسسة الحيوية، وهي حجر الزاوية في مكافحة الفساد وضمان الشفافية المالية. بدأت الأزمة بقرار من حكومة الوحدة الوطنية (المقرة بطرابلس) بعزل رئيس ديوان المحاسبة، خالد شكشك. إلا أن البرلمان طالب بالتمسك بالاتفاق السياسي الذي يُحدد أن منصب رئيس الديوان من المناصب السيادية، والتي لا يُبت فيها إلا بقرار من البرلمان ومجلس الدولة.
تدخل دولي ودعم للاستقلالية
أثار هذا النزاع تدخلاً دوليًا، حيث دعت خمس دول غربية – الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا – إلى دعم استقلالية الديوان وإبعاده عن التجاذبات السياسية. أكدت الدول الخمس، في بيانٍ مشترك، دعمها للديوان وقيادته، مؤكدةً على دوره المحوري في ضمان الإدارة الفعالة للمالية العامة، وكونه ركيزة أساسية لتعزيز الثقة الدولية في ليبيا. أضاف البيان أنهم شركاء لليبيا في دعم ديوان المحاسبة، باعتباره جزءًا لا يتجزأ من الدولة الليبية. كما شددت الدول على ضرورة احترام استقلالية الديوان ونزاهته من قبل جميع الأطراف السياسية.
خلافات داخلية وتوتر أمني
جاءت الأزمة الحالية عقب صدور حكم من محكمة جنوب طرابلس بإيقاف شكشك عن العمل، بحجة انتهاء ولايته. إلا أن شكشك رفض القرار، وتقدم بطعن قانوني، مُصرًا على تمسكه بمنصبه. في المقابل، تولى وكيل الديوان، عطية الله السعيطي، رئاسة المؤسسة مؤقتًا، مما أدى إلى انقسام حاد بين مؤيدي الطرفين. وقد انتشرت قوات أمنية حول مقر الديوان في منطقة الظهرة بطرابلس، وسط مخاوف من محاولة السيطرة على أرشيف المؤسسة، الذي يحتوي على وثائق حساسة تتعلق بالفساد المالي.
دعوات للتهدئة والحفاظ على الاستقرار
في محاولة لاحتواء الأزمة، دعا رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، إلى الإبقاء على شكشك رئيسًا للديوان في المنطقة الغربية لحين الفصل النهائي في المناصب السيادية وفقًا للاتفاق السياسي. كما أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن قلقها العميق إزاء الوضع المتدهور، محذرةً من أن استمرار الصراع قد يُقوّض جهود مكافحة الفساد والشفافية المالية. دعت البعثة جميع الأطراف إلى احترام ولاية الديوان وتجنب تسييس المؤسسات السيادية. يأتي هذا الخلاف بعد نحو 6 أشهر على أزمة المصرف المركزي، التي شهدت إعفاء محافظه الصديق الكبير من منصبه. وتعاني ليبيا من انقسامات حادة منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، وتُدير شؤونها حكومتان: حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، وحكومة أخرى في شرق البلاد مدعومة من البرلمان.
لمزيد من المعلومات حول الأزمة السياسية في ليبيا، يرجى زيارة موقع الأمم المتحدة الخاص بليبيا.