جحيم السجون في السلفادور: ثمن الأمن الباهظ

كتب: محمد صلاح الدين
لطالما كان السجن رمزًا للعقاب والإصلاح، لكن في بعض أرجاء العالم، تحوّل إلى جحيم حقيقيّ، حيث يُعامل السجناء كأرقام بلا قيمة، وتتحوّل الزنازين إلى قبور للأحياء. وفي السلفادور، تتضاعف هذه المأساة مع عشرات الآلاف من المعتقلين في ظروف قاسية، ليشمل الأمر ليس فقط مواطنيها، بل أيضًا مهاجرين مرحّلين من الولايات المتحدة، نتيجة اتفاق مثير للجدل بين واشنطن وسان سلفادور.
اتفاق أمريكي – سلفادوري: صفقة مشبوهة؟
في فبراير الماضي، تلقّى وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، خلال زيارته لأمريكا الوسطى، عرضًا من الرئيس السلفادوري، نايب بوكيليه، باستقبال واحتجاز المرحّلين من الولايات المتحدة، بمن فيهم مواطنون أمريكيون مدانون بجرائم. وقد أشاد روبيو بهذه الخطوة، واعتبر أنها ستُعزّز أمن الولايات المتحدة، لكن هل هذا الثمن الذي دفعته واشنطن – 6 ملايين دولار – مقابل احتجاز هؤلاء المهاجرين – مبرر؟
وافق الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، على هذا العرض، مستخدمًا قانونًا نادرًا من القرن الثامن عشر، لترحيل مئات المهاجرين الفنزويليين إلى السلفادور، متجاهلًا أمرًا قضائيًا يمنع عمليات الترحيل. تُثير هذه الممارسات مخاوف حقوق الإنسان، والتي تتزايد يومًا بعد يوم.
سجون السلفادور: نظام «حالة الاستثناء»
تخضع السلفادور حاليًا لـ«حالة الاستثناء»، المُعلنة في مارس 2022، بموجبها تم تعليق الحقوق الأساسية للإجراءات القانونية. وقد اعتقلت الشرطة والجيش ما لا يقل عن 85,000 شخص دون مذكرات قضائية، مما جعل السلفادور تحتل المركز الأول عالميًا في معدلات السجن، حيث يقبع 2% من سكانها خلف القضبان دون محاكمة عادلة.
سجن «سيكوت»: معاناة لا حدود لها
وصف تقرير لشبكة «سي إن إن» سجن سيكوت بأنه منشأة قمعية، يقبع فيه آلاف القتلة وتجار المخدرات، مُعاملين كأرقام داخل أقفاص ضخمة، مسلوبي الحرية والهوية والفردية. تضم الزنازين الجماعية أكثر من 80 سجينًا في مساحة ضيقة، مع أسرّة معدنية، ودورات مياه مفتوحة، ونظام إضاءة لا ينطفئ أبدًا، وحراس ملثمون مسلحون.
لا يُسمح بالقراءة أو الكتابة أو تلقي الرسائل، والوجبات بسيطة جدًا، والأهم غياب أي أمل في محاكمة عادلة أو إعادة تأهيل.
«السلفادور الجديدة»: بين الأمن والقمع
تحوّلت السلفادور في ظل حكم بوكيليه من عاصمة للجريمة إلى واحدة من أكثر الدول أمانًا في أمريكا اللاتينية، لكن هذا الأمن جاء بثمن باهظ: انتهاكات لحقوق الإنسان، اعتقالات عشوائية، محاكمات جماعية، وتعذيب داخل السجون، مما يجعل الدولة أقرب إلى الديكتاتورية من الإصلاح، بحسب منظمات حقوق الإنسان. ويقول وزير الأمن العام: «نحن نؤمن بإعادة التأهيل، ولكن فقط للمجرمين العاديين. أما أعضاء العصابات، فهم قتلة متسلسلون لا يمكن إصلاحهم».