شهادات صادمة: تعذيب في معتقلات إسرائيلية جديدة لأسرى غزة

كشفت شهادات صادمة عن ممارسات تعذيب وسوء معاملة مُروعة داخل معتقلات إسرائيلية جديدة، خصصت لاستقبال أسرى قطاع غزة. وقد أثار هذا الأمر ضجة واسعة، خاصة بعد نقل المئات من الأسرى إلى معسكرات اعتقال جديدة في الضفة الغربية، وذلك عقب ضغوط من المحكمة العليا الإسرائيلية لتحسين أوضاع المعتقلين.
انتهاكات مستمرة
على الرغم من نقل الأسرى، إلا أن منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية تؤكد استمرار الانتهاكات الحقوقية بنفس الوحشية في معسكرات “عوفر” و”عنتوت”، بعدما وثقت انتهاكات مماثلة في مركز اعتقال “سديه تيمان” في صحراء النقب، شملت الضرب المبرح، والحرمان من الرعاية الصحية، ونقص التغذية. وقد دفعت هذه الممارسات المنظمات الحقوقية للتوجه مجدداً للمحكمة العليا للمطالبة بوقفها نهائياً، كما أوردت وكالة أسوشيتد برس.
جيسيكا مونتيل، مديرة منظمة “هموكيد”، إحدى المنظمات التي تقدمت بعريضة للحكومة الإسرائيلية، وصفت الوضع بقولها: “ما رأيناه هو تآكل المعايير الأساسية للاحتجاز الإنساني.”
من جانبه، أكد الجيش الإسرائيلي التزامه بالقانون الدولي، ونفى رفضا قاطعا الادعاءات المتعلقة بالإساءة المنهجية للمعتقلين، وذلك ردا على استفسارات وكالة أسوشيتد برس.
شهادات من قلب المعاناة
أكثر من 30 معتقلاً سابقاً وحالياً قابلهم محامو منظمات “هموكيد” و”أطباء من أجل حقوق الإنسان” في إسرائيل، أكدوا سوء الأوضاع في معسكري “عوفر” و”عنتوت”. وكانت وكالة أسوشيتد برس أول مؤسسة إخبارية دولية تغطي هذه الإفادات الصادرة عن منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان.
خالد السر، 32 عاماً، وهو جراح من غزة أمضى شهوراً في معسكر عوفر، روى تجربته المؤلمة، قائلاً: “سيعاقبونك على أي شيء. حتى مجرد التواصل البصري، أو طلب الدواء، أو النظر إلى السماء، يُعاقب عليه.”
أُفرج عن السر بعد ستة أشهر دون توجيه أي تهمة إليه، بعد اعتقاله في مارس الماضي خلال مداهمة مستشفى ناصر في خان يونس. ولم يتسن التحقق من روايات المعتقلين الآخرين بشكل مستقل، لكن شهاداتهم المتشابهة دفعت المحكمة العليا لمنح الجيش مهلة حتى نهاية الشهر الجاري للرد على هذه الانتهاكات المزعومة في عوفر.
اعتقالات بلا تهم و ظروف قاسية
منذ بداية الحرب، اعتقلت إسرائيل آلاف الفلسطينيين من غزة للاشتباه في صلتهم بحركة حماس، تم الإفراج عن العديد منهم بعد أشهر من الاعتقال. وعلى الرغم من وقف إطلاق النار السابق، استمرت الاعتقالات مع استئناف العمليات العسكرية مؤخراً. يُذكر أن الجيش يمتنع عن الإفصاح عن العدد الإجمالي للمعتقلين.
بعد أمر المحكمة العليا بتحسين معاملة المعتقلين في سديه تيمان، نقل الجيش مئات المعتقلين، منهم 500 إلى عوفر، وهو معسكر مترامي الأطراف بُني بجوار سجن مدني يحمل الاسم نفسه. أما عنتوت، فقد أُقيم على قاعدة عسكرية في مستوطنة يهودية.
يحق للجيش بموجب القانون الإسرائيلي احتجاز الفلسطينيين لمدة 45 يوماً دون اتصال بالعالم الخارجي، لكن الكثيرين يقضون فترات أطول بكثير. وذكرت منظمة هموكيد أن المعتقلين يُجرون بعنف إلى زنزانة عند لقائهم بمحاميهم، غالباً حفاة الأقدام ومعصوبي الأعين ومقيدي الأيدي والأرجل.
“لا أعرف أين أنا”، هكذا عبّر أحد المعتقلين عن حالته لمحاميه.
الرعاية الصحية ونظام غذائي قاس
وصف السر ظروف الاحتجاز القاسية، مشيراً إلى الاكتظاظ الشديد في الزنازين، وانتشار الجرب والقمل، ونقص الرعاية الصحية. فقد كان يعاني من قرحة مزمنة، ورفض الحراس منحه مضادات الحموضة، مما أدى لتفاقم حالته. وعندما تم نقله للمستشفى، تعرض للضرب طوال الطريق.
أما الطعام، فكان عبارة عن شرائح قليلة من الخبز الأبيض مع خيار أو طماطم، وأحياناً قطعة شوكولاتة أو كاسترد، وهو ما اعتبرته خبيرة تغذية إسرائيلية “غير إنساني”، لا يتجاوز 1000 سعر حراري يومياً.
بعد شكاوى منظمات حقوقية، لاحظت الخبيرة تحسناً طفيفاً في قائمة الطعام في عوفر، لكنها ما زالت غير كافية.
الجيش يرد على الاتهامات
نفى الجيش الإسرائيلي مزاعم إيقاظ الجنود للمعتقلين ليلاً، وأكد السماح لهم بالاستحمام بانتظام، والخروج يومياً للفناء. وأوضح أن الاكتظاظ يُجبر بعضهم على النوم على الأرض، وأشار إلى أن أخصائي تغذية يوافق على وجبات المعتقلين، وأنهم يحصلون دائماً على الماء.
عقاب بسبب مقابلات المحامين
روى السر أنه أُجبر على الركوع تحت الشمس لساعات قبل لقائه بمحاميه، بعد جلسة استماع موجزة للغاية مع قاضٍ. وأكد معتقل آخر تعرضه لنفس العقوبة، وكتب محاميه في ملاحظاته: “طوال الوقت، كان يهدد بالانتحار.”
بعد إطلاق سراحه في سبتمبر، عاد السر لعمله في مستشفى غزة، مُعولاً على رعاية المرضى لمساعدته على نسيان ما عاناه.
أعلن الجيش في فبراير الماضي إغلاق سجن عنتوت، لعدم حاجة إليه للاحتجاز قصير الأمد، بينما لا يزال سجن سديه تيمان قيد الاستخدام.