الأمم المتحدة تحذر من تصاعد الاحتجازات التعسفية في ليبيا

كتب: عمرو خالد
أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن بالغ قلقها إزاء تزايد حالات الاحتجاز التعسفي خارج نطاق القانون، مؤكدة أن هذه الاعتقالات وصلت إلى مستويات غير مسبوقة في مختلف أنحاء البلاد. وأرجعت البعثة الأممية في بيان رسمي هذا التصاعد إلى الانقسام السياسي الحاد وتغلغل المليشيات المسلحة في مؤسسات الدولة.
انتهاكات جسيمة تستهدف القضاء
أشار البيان إلى قيام أطراف أمنية ومليشيات مسلحة باستغلال سلطتها في اعتقال واستهداف أفراد بناءً على انتماءاتهم السياسية المزعومة، مما يُسهم في تكميم الأفواه، ويقوض استقلال القضاء، ويخلق مناخًا عامًا من الخوف والترهيب. وقد سلطت البعثة الضوء على حالات موثقة، منها احتجاز القاضي علي الشريف بعنف في طرابلس يوم 10 مارس الجاري، واحتجاز المحامي منير العرفي في بنغازي منذ 12 مارس، بالإضافة إلى احتجاز اثنين من المدعين العسكريين في طرابلس منذ عام 2022 دون محاكمة. كما طالبت البعثة بالكشف عن مصير النائب علي حسن جاب الله، المحتجز تعسفيًا لأكثر من عام قبل أن يُحكم عليه في محاكمة عسكرية وصفتها الأمم المتحدة بأنها مشوبة بالمخالفات.
ومن بين الحالات البارزة أيضًا، استمرار احتجاز مدير عام مكتب استرداد أموال الدولة محمد المنسلي منذ 7 يناير الماضي دون السماح له بالحصول على محامٍ أو رعاية طبية، وسط تقارير عن تدهور حالته الصحية.
الاعترافات القسرية ونشر التسجيلات على الإنترنت
وأعربت البعثة عن قلقها البالغ إزاء ظاهرة الاعترافات المسجلة، حيث يُجبر المحتجزون على الإدلاء باعترافات تحت ضغط شديد، ثم تُنشر هذه التسجيلات عبر الإنترنت بهدف التشهير والترهيب. وصفت البعثة هذه التسجيلات بأنها غير قانونية ويجب عدم قبولها كأدلة، وطالبت بمحاسبة المسؤولين عن إنتاجها ونشرها.
زيارات محدودة للسجون ومطالبة بالوصول الكامل
رحبت البعثة الأممية بتمكنها من زيارة بعض مرافق الاحتجاز بشكل جزئي، لكنها طالبت في الوقت نفسه بمنحها إذنًا كاملاً ودون شروط للدخول إلى جميع السجون ومراكز التوقيف في ليبيا. وأكدت البعثة أن الاحتجاز التعسفي واستخدامه كأداة للترهيب يقوض عملية الانتقال الديمقراطي ويضعف ثقة المواطنين في أجهزة الدولة، داعيةً إلى الإفراج الفوري عن جميع المحتجزين دون سند قانوني.
فوضى السلاح وانتشار المليشيات
يرى مراقبون أن تصاعد هذه الانتهاكات مرتبط بشكل مباشر بانتشار المليشيات المسلحة، خاصةً في غرب ليبيا، حيث تسيطر هذه الجماعات على مقار حكومية وأمنية بدعم سياسي داخلي وخارجي. ومنذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، تعاني ليبيا من انتشار واسع للسلاح، حيث تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 29 مليون قطعة سلاح خارج سيطرة الدولة، في ظل غياب أي إجراءات فعلية للحد من هذه الفوضى. وتُتهم هذه المليشيات بالضلوع في عمليات خطف واغتيالات واحتجاز خارج القانون، مستفيدة من مواقع نفوذ داخل المؤسسات الرسمية تمنحها الحصانة من أي ملاحقة. يمكنكم الاطلاع على تقرير مفصل عن منظمة هيومن رايتس ووتش حول هذه الظاهرة.
دعوات للمحاسبة ووقف الإفلات من العقاب
اختتمت البعثة الأممية بيانها بدعوة السلطات الليبية إلى مكافحة الإفلات من العقاب ومحاسبة المتورطين في هذه الانتهاكات، مشددةً على ضرورة التزام جميع الجهات المسلحة والأمنية بالقانون الدولي وحقوق الإنسان. وتشكل هذه التطورات، بحسب مراقبين، تهديدًا حقيقيًا لمسار الانتقال السياسي في ليبيا، في ظل غياب بيئة آمنة تسمح بحرية العمل المدني، وغياب مؤسسات قادرة على حماية المواطنين من الانتهاكات.