سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 1 نوفمبر 1947 .. الشيخ أمين الخولى يدافع عن رسالة «قصص القرآن» لتلميذه محمد أحمد خلف الله ويرفض اتهامه بالكفر
رفضت الجامعة المصرية، رسالة الدكتوراه للطالب محمد أحمد خلف الله، بعنوان، «الفن القصصى فى القرآن الكريم»، يوم 31 أكتوبر 1947، وحولت صاحبها إلى عمل إدارى، وحرمت مشرفها الشيخ أمين الخولى من تدريس «علوم القرآن» أو الإشراف على رسائل تتصل بالقرآن.
انشغل الرأى العام المصرى بالقضية، وسط اتهامات لخلف الله بتكفيره، وأثار توفيق الحكيم القضية لأسابيع على صفحات «أخبار اليوم» من 25 أكتوبر 1947، وجمعها فى كتابه «يقظة الفكر»، وتلقى رسائل من أطرافها، وتميزت رسالة الشيخ أمين الخولى بالعمق الذى يليق به كواحد من المجددين العظام فى الفكر الإسلامى، وبدأها بتذكير أنه يقوم بتدريس القرآن فى كلية الآداب منذ عشرين عاما، وأن «الفهم الأدبى له يجب أن يتقدم على كل رغبة فى استفادة عقائد منه أوأخلاق، أو أحكام قانونية».
كشف «الخولى» أن أشرف على أكثر من رسائل علمية فى موضوعات قرآنية طبقا لمنهجه، ومنهم «خلف الله» فى رسالته للماجستير «جدل القرآن»، ثم رسالته للدكتوراة فى «قصص القرآن»، وأضاف: «تقدم خلف الله لدرس قصص القرآن على المنهج الأدبى، الذى لا يمكن أن تعنى كلية الآداب بغيره، والقصص فى هذا المنهج لون من ألوان البيان، وأسلوب من أساليب الأداء مضى فيه كتاب العربية الأعظم، وعرض – أول ما عرض – لما بين التاريخ والقصص من صلة، وما جرى عليه القرآن فى هذا، واطمأن أخيرا إلى أنه ليس قصصا لتعليم التاريخ، ولا سرد وقائعه مرتبة مستوفاة لتعرف منها الحقائق التاريخية، ولذلك لا يلزم أن تكون كل حوادث القصص القرآنى قد وقعت، بل منها ما هو تصوير وتمثيل للمعانى، واطمأن لهذه النتيجة بالاعتماد على مقررات دينية تتصل بالمحكم والمتشابه وما إلى ذلك».
وأكد: «الأستاذ الإمام محمد عبده، فرغ من هذه المقررات منذ أكثر من أربعين عاما من تقرير ما هو أوسع منها وأبعد مدى، إذ انتهى من أن القصص القرآنى فيه ما هو مثل لا قصة واقعة، ومن أن للمؤمن حق تأويل هذه القصص على أساس أن القرآن يعبر عن المعانى، ويصورها بالحكاية وأسلوب الحوار، كما فرغ من أن وجود شىء فى قص القرآن لا يقتضى صحته، لأنه يحكى من حال الأقدمين الصحيح والفاسد، والصادق والكاذب، ولأنه يجرى تعبيراته على معروفهم ومنظورهم، ولو كان خرافيا، كوصف الشيطان فى قوله تعالى: «طلعها كأنهار رءوس الشياطين» ومس الشيطان فى قوله تعالى: «الذين يأكلون الربا، لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس»، فليس فى هذا وصف لصحيح من أمر الشيطان أو مسه، بل أوَّل الأستاذ الملائكة بالأرواح والقوى، والشياطين وإبليس بدواعى الشر، وعرض فى بيان طويل لتأويل قصة آدم كلها فى سورة «البقرة» ثم أثر التأويل على التسليم بحقيقة هذه الأشياء والأحداث، مقررا أن المؤوِّل أعلى كعبا فى الإيمان ممن يسلم، لأنه أكثر اطمئنانا وأقل تعرضا للشكوى».
أضاف «الخولى»: «تلك هى أم المسائل التى أنكرها من قرأوا الرسالة فى الجامعة، ولم يجتمعوا لمناقشة فى ذلك كما يقتضى نظام تأليف اللجان لتقدير الرسائل، ثم ما لبثوا أن اشتعلوا فى العناد، فانطلقوا من طلبهم تعديل بعض فصول الرسالة مع تقديرهم لجوانبها السليمة إلى طلب تطبيق أحكام الردة على صاحبها.وتسرب الأمر إلى الخارج فتلقف ناس أخبارا طائرة، وحكموا على ما لم يروا، ولم يقرأوا، بل أخفوا ما عُرف ونُشر، فكتب من سمو أنفسهم جبهة العلماء، فى عدد 741 و742 من مجلة الرسالة عن بحث خلف الله أمر جد خطير، وعدّوهُ وباء أشنع من وباء الكوليرا، وتوالى مثل هذا الاتهام على غير أساس، وخلف الله يكذب، ويبين ويتحدى فيضيع صوته فى ضجيج عامى وأهوج».
اختتم «الخولي» رسالته بقوله: «المحنة – كما ترى – عقلية، وهذا أهون جوانبها، ثم هى خُلقية واجتماعية، خلقية لأسباب أيسرها، أن الذين قرأوا الرسالة تقوّلوا عليها بما يستحيل أن يكون فيها، واجتماعية تدفع مصر فى سلم الرقى من أعلى إلى أسفل، فجامعتها ترفض اليوم ما كان يقرر بين جدران الأزهر وينشر منذ أربعين عاما، وتُخضع البحث للأوهام لا للإسلام، وأزهرها يسمع رجلا يعلن أن ربه الله، ورسوله محمد ودينه الإسلام، وكتابه القرآن، وأنه إنما يفهم فى القرآن السماوى فهما ما، بل يفهم فى متشابهه فهما ما، فلا يقال له، أخطأت أوأسرفت أو، أو… بل يقال له – قبل أى تحر أو تثبت – كفرت، ولماذا؟ لأنك جعلت القرآن فنا».
يضيف «الخولى»: «الأمر إنكار للحق الطبيعى للحى فى أن يفكر ويقول، وإنه لحق عرفنا الإسلام يقرره ويحميه، فلو لم يبق فى مصر والشرق أحد يقول إنه على حق، لقلت وحدى وأنا أقذف فى النار إنه حق، لأبرئ ضميرى، ولا أشارك فى وصم الإسلام اليوم هذه الوصمة».