اكتشافات مذهلة في معبد الرامسيوم بالأقصر تكشف أسرارًا جديدة من عصر الرعامسة!

كتب: أحمد محمود
في رحلةٍ عبر الزمن إلى عصر الفراعنة، كشفت البعثة الأثرية المصرية الفرنسية النقاب عن كنوزٍ تاريخيةٍ دفينةٍ في محيط معبد الرامسيوم بالأقصر، لتضيف صفحاتٍ جديدةً إلى سجلات الحضارة المصرية العريقة. تلك الاكتشافات المذهلة، التي تمت في إطار التعاون المثمر بين قطاع حفظ وتسجيل الآثار بالمجلس الأعلى للآثار، والمركز القومي الفرنسي للأبحاث وجامعة السوربون، تُلقي الضوء على جوانبٍ جديدةٍ من حياة المصريين القدماء، وتُثري فهمنا لتاريخ هذا المعبد الضارب في أعماق التاريخ.
“بيت الحياة”.. مدرسة فرعونية داخل الرامسيوم
من بين الاكتشافات الاستثنائية، برز “بيت الحياة”، وهو بمثابة مدرسة علميةٍ ملحقة بالمعابد الكبرى. هذا الاكتشاف الفريد لم يكشف فقط عن التخطيط المعماري للمؤسسة التعليمية، بل أزاح الستار أيضًا عن مجموعةٍ أثريةٍ غنيةٍ تضمنت بقايا رسوماتٍ وألعابٍ مدرسية، مما يُعد دليلًا قاطعًا على وجود مدرسةٍ داخل الرامسيوم، المعروف أيضًا باسم “معبد ملايين السنين”.
مكاتب إدارية ومخازن تكشف أسرار الحياة اليومية
في الجهة الشرقية من المعبد، عثرت البعثة على مجموعةٍ من المباني التي يُرجح أنها كانت تُستخدم كمكاتب إدارية، بينما كشفت الدراسات التي أُجريت على المباني والأقبية في الجهة الشمالية، عن استخدامها كمخازنَ لحفظ زيت الزيتون والعسل والدهون، بالإضافة إلى أقبيةٍ لتخزين النبيذ، حيث وُجدت فيها ملصقات جرار النبيذ بكثرة.
مقابر عصر الانتقال الثالث.. رحلة إلى عالم الموتى
في المنطقة الشمالية الشرقية، اكتشفت البعثة عددًا كبيرًا من المقابر التي تعود إلى عصر الانتقال الثالث، وتحتوي معظمها على حجراتٍ وآبارٍ للدفن، تضم أواني كانوبيةً وأدواتٍ جنائزيةً بحالةٍ جيدةٍ من الحفظ، بالإضافة إلى توابيتَ موضوعةٍ داخل بعضها البعض، و401 تمثالٍ من الأوشابتي المنحوت من الفخار، ومجموعةً من العظام المتناثرة.
إشادات رسمية بأهمية الاكتشافات
أشاد وزير السياحة والآثار، شريف فتحي، بالجهود المبذولة من قِبل البعثة للكشف عن أسرارٍ جديدةٍ من تاريخ معبد الرامسيوم، والدور الديني والمجتمعي الذي لعبه في مصر القديمة. وأكد الدكتور محمد إسماعيل، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، على أهمية هذه الاكتشافات، مشيرًا إلى أنها تُلقي الضوء على التاريخ الطويل والمعقد للمعبد، وتفتح آفاقًا جديدةً لفهم دوره في مصر القديمة، وتعزز معرفتنا بالمعبد الذي يعود تاريخه إلى عصر الدولة الحديثة، وخاصةً عصر الرعامسة. وأوضح أن هذه الاكتشافات تُشير إلى وجود نظامٍ هرميٍ كاملٍ للموظفين المدنيين داخل المعبد، الذي لم يكن مجرد مكانٍ للعبادة، بل كان أيضًا مركزًا لإعادة توزيع المنتجات المخزنة أو المصنعة، والتي استفاد منها سكان المنطقة، بمن فيهم الحرفيون في دير المدينة.
الرامسيوم.. موقعٌ نابضٌ بالحياة عبر العصور
أكدت الدراسات العلمية أن الرامسيوم كان موقعًا مشغولًا قبل بناء رمسيس الثاني لمعبده، وأُعيد استخدامه في فتراتٍ لاحقة، حيث تحول إلى مقبرةٍ كهنوتيةٍ ضخمةٍ بعد تعرضه للنهب، قبل أن يستخدمه عمال المحاجر في العصرين البطلمي والروماني.
جهود الترميم تعيد الحياة إلى المعبد
أوضح الدكتور هشام الليثي، رئيس قطاع حفظ وتسجيل الآثار بالمجلس الأعلى للآثار ورئيس البعثة من الجانب المصري، أن البعثة استطاعت إعادة الكشف عن مقبرة “سحتب أيب رع” الواقعة في الجانب الشمالي الغربي من المعبد، والتي اكتشفها عالم الآثار الإنجليزي كويبل عام 1896، وهي تعود لعصر الدولة الوسطى وتتميز جدرانها بمناظر جنازة صاحب المقبرة. وأضاف أن البعثة مستمرةٌ في أعمال حفائرها سعيًا للكشف عن المزيد خلال الفترة القادمة، مشيرًا إلى انتهاء البعثة من ترميم الجهة الجنوبية بالكامل من قاعة الأعمدة إلى منطقة قدس الأقداس بالمعبد، إلى جانب أعمال الترميم في الفناء الأول، حيث تم تجميع قطع تمثال تويا، والدة الملك رمسيس الثاني، ونقلها إلى موقعها الأصلي جنوب تمثال الملك رمسيس الثاني، بالإضافة إلى تجميع أجزاء تمثال الملك رمسيس الثاني وترميم أرجله وإعادتها إلى مكانها على القاعدة التي تم ترميمها أيضًا. وأشار الدكتور كرسيتيان لوبلان، رئيس البعثة من الجانب الفرنسي، إلى أن البعثة قامت بأعمال ترميمٍ للقصر الملكي المجاور للفناء الأول للمعبد، للتعرف على تخطيطه الأصلي، والذي بات واضحًا اليوم بفضل أعمال البعثة. كما تم الكشف عن جزءٍ من العتب الجرانيتي لباب الصرح الثاني، يمثل الملك رمسيس الثاني متألهًا أمام المعبود آمون رع. وقامت البعثة برفع الرديم من طريق المواكب الشمالية والجنوبية، حيث تم العثور على العديد من الاكتشافات من عصر الانتقال الثالث، كما تم التعرف على أن هذا الجزء من المعبد كان عبارةً عن طريقٍ يصطف على جانبيه تماثيلٌ حيوانيةٌ على صورة أنوبيس. جدير بالذكر أن البعثة المصرية الفرنسية بدأت أعمالها في معبد الرامسيوم منذ 34 عامًا، أي في عام 1991 حتى الآن، وقامت بأعمال الحفائر والترميم في كافة أنحاء المعبد.