عرب وعالم

صمود أوكراني على جبهات القتال الملتهبة رغم الحديث عن هدنة

كتب: محمود الجندي

بينما تتردد في الأروقة الدبلوماسية، على بُعد آلاف الأميال، أحاديث عن هدنة محتملة، تشتعل جبهات القتال بين روسيا وأوكرانيا في معارك ضارية لا تقل حدة عن أي حرب كبرى. يتصارع الطرفان بشراسة، في محاولة أخيرة لكسب الأرض والنفوذ على طاولة المفاوضات، التي تزعم إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أنها تُحرز تقدمًا.

شكوك عميقة

لكن حدة المعارك تُلقي بظلال من الشك على جدوى هذه المفاوضات. فحتى لو نجحت بعض الخطوات التمهيدية، مثل وقف العنف في البحر الأسود، في ترسيخ نفسها، فإن قلة من الجنود أو المدنيين الأوكرانيين يعتقدون أنها ستُفضي إلى سلام دائم، فالطرفان لا يزالان يتنافسان على تحسين مواقعهما استعدادًا لجولات قتال مستقبلية، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز».

ويُعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن اعتقاده بأن روسيا تُخطط لشن هجمات جديدة بهدف «ممارسة أقصى ضغط على أوكرانيا، ثم إصدار إنذارات نهائية من موقع قوة»، مؤكدًا عزم كييف على إحباط هذه المخططات.

تكتيكات جديدة

ورغم التفوق العددي والنوعي للقوات الروسية، تمكنت القوات الأوكرانية من إيقاف تقدمها بشكل كبير هذا العام، بل وشن هجمات مضادة محدودة لاستعادة بعض الأراضي. ويرجع المحللون العسكريون هذا الصمود إلى عدة عوامل، منها: استراتيجيات دفاعية جديدة تعتمد بشكل كبير على الطائرات المسيرة، والتكيف السريع مع التهديدات المتغيرة، وعلامات الإرهاق في صفوف القوات الروسية، وارتفاع الروح المعنوية للجيش الأوكراني تحت قيادة قائده الجديد، الجنرال ميخايلو دراباتي.

وفي مقابلات من الخطوط الأمامية، أكد الجنود والضباط الأوكرانيون على أهمية التكيف المستمر مع تغيرات ساحة المعركة. يقول العقيد دميتري باليسا، قائد اللواء الميكانيكي الثالث والثلاثين: «هذه الحرب تُغير قواعدها باستمرار. هذا يعني أننا مجبرون على التكيف بلا هوادة. كل ليلة، قبل النوم، علينا أن نضع خطة بديلة ليوم الغد».

إعادة تموضع القوات

وقد يُعيد الانسحاب الأوكراني من معظم منطقة كورسك الروسية رسم خريطة القتال. إذ يُمكن الآن إعادة نشر عشرات الآلاف من الجنود الروس الذين كانوا مُرابطين هناك خلال الحملة التي استمرت سبعة أشهر. ويشير العقيد أوليه هرودزفيتش، نائب قائد اللواء الميكانيكي 43، إلى أن حملة كورسك «استنزفت جزءًا كبيرًا من القوات الروسية» ونيرانها من جبهات أخرى.

وعلى الجبهة الجنوبية، تُحاول القوات الروسية استغلال أي ثغرات في الدفاعات الأوكرانية على ضفاف نهر دنيبرو. فبعد فشل هجماتها السابقة، تشن الآن هجمات استطلاعية، سعيًا للتقدم شمالًا نحو مدينة زابوريجيا. ويُعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومسؤولون آخرون صراحةً أن هدفهم هو السيطرة الكاملة على المدينة ومحيطها.

معارك دونباس

في غضون ذلك، لا تزال أعنف المعارك مُركزة في منطقة دونباس الشرقية، حيث فشلت روسيا، بعد ثلاث سنوات، في تحقيق هدفها بالسيطرة على مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك.

ويؤكد العقيد باليسا، الذي يُشرف على الدفاعات الأوكرانية جنوب بوكروفسك في دونيتسك، أن حرب الطائرات المسيرة والتكتيكات الدفاعية الذكية قد قلصت من التفوق الروسي. يقول: «العدو لم يتقدم شبراً واحداً في هذا القطاع خلال الأسابيع الثلاثة أو الأربعة الماضية. حتى الآن، يمكننا القول إننا نجحنا في تثبيت الوضع».

ويُضيف أن قواته اضطرت للتكيف مع تهديد جديد يتمثل في الطائرات الروسية المسيرة المتصلة بكابلات ألياف بصرية، ما يجعلها عصية على التشويش. ويُشير إلى أن لواءه خسر نحو عشر مركبات في سبعة أيام فقط بعد ظهور هذه الطائرات.

وتأمل كييف أن تُمكّنها هذه التعديلات البسيطة، إلى جانب إعادة هيكلة الجيش، من مواصلة القتال، حتى في ظل تراجع الدعم الأمريكي والضغوط المتزايدة للدخول في مفاوضات وقف إطلاق النار. ويُعبر الجنود عن اعتقادهم بأن القتال سيستمر حتى يصبح ثمنه باهظًا جدًا على الكرملين، وتُصبح أوكرانيا قوية بما يكفي لردع أي عدوان مستقبلي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى