ثورة تخزين الطاقة: رحلة في عالم بطاريات الجاذبية

كتب: عمرو خالد
في ظلّ التوسع الهائل في استخدام السيارات الكهربائية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، ازداد الطلب العالمي على مصادر الطاقة بشكلٍ مُتسارع، وهو ما يُتوقع أن يستمر خلال السنوات القادمة. وقد سعت العديد من الدول إلى زيادة إنتاج الكهرباء من المصادر المتجددة، باعتبارها خيارًا مثاليًا لتوفير طاقة مستدامة وصديقة للبيئة.
مشكلة تقطع توليد الطاقة: تحدٍّ أمام الطاقة المتجددة
تُعتبر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح من أهم مصادر الطاقة المتجددة حول العالم، إلا أنها تعاني من مشكلة عدم الاستقرار في توليد الطاقة. ففي الليل، أو عند انعدام الرياح، قد يتوقف الإنتاج تمامًا، وقد ينخفض بشكلٍ كبير في الأيام الممطرة أو ذات الرياح الضعيفة. وعلى النقيض، في الأيام المشمسة جدًا، قد يتجاوز إنتاج الألواح الشمسية الاستهلاك، مما يُترجم إلى هدرٍ للطاقة. ولذلك، تُعرف هذه المصادر بـ”مصادر الطاقة المتقطعة”.
عادةً ما تُستخدم بطاريات الليثيوم لتخزين الطاقة الزائدة من هذه المصادر، للاستفادة منها في ساعات الذروة. لكنّ بطاريات الليثيوم تواجه تحديات كبيرة، منها تدهور كفاءتها مع مرور الوقت، وتقلب أسعارها بسبب العوامل الجيوسياسية وسلاسل التوريد، بالإضافة إلى صعوبة إعادة تدويرها. وتُسيطر الصين حاليًا على نسبة كبيرة من سوق بطاريات الليثيوم أيون، مما يُشكل اعتمادًا كبيرًا على مصدر واحد.
هذه التحديات دفعت الكثير من الدول إلى البحث عن حلول تقنية جديدة لتخزين الطاقة، ومن هنا جاءت فكرة بطاريات الجاذبية.
كيف تعمل بطاريات الجاذبية: الجاذبية كخزان للطاقة
تعتمد بطاريات الجاذبية على مبدأ بسيط وهو طاقة الوضع. فكلما رفعنا كتلة ما، سواء كانت كتلة صلبة أو كمية من الماء، قمنا بتخزين طاقة وضعية فيها تتناسب مع ارتفاعها. وبفضل الجاذبية، تبقى هذه الطاقة محفوظة حتى يُسمح للجسم بالسقوط.
عند الحاجة للطاقة، يُسمح للجسم بالسقوط بشكلٍ مُسيطر عليه، باستخدام مولد أو توربين لتحويل الطاقة الحركية الناتجة عن السقوط إلى طاقة كهربائية. على عكس بطاريات الطاقة الكيميائية، التي تتدهور كفاءتها مع الاستخدام المتكرر، فإنّ طاقة الوضع الجاذبية لا تتلاشى بمرور الوقت، طالما بقيت الأجزاء الميكانيكية سليمة.
ليست بطاريات الجاذبية فكرةً جديدةً تمامًا. فتقنية تخزين الطاقة الكهرومائية بالضخ، التي تعود إلى أكثر من قرن، تعتمد على رفع المياه من خزانٍ منخفض إلى خزانٍ مرتفع باستخدام الطاقة الزائدة، ثم إطلاقها لتوليد الكهرباء عند الحاجة. وتُمثّل أنظمة تخزين الطاقة الكهرومائية بالضخ، مثل منشأة شافهاوزن بسويسرا التي بُنيت في أوائل عام 1907، مثالًا على عمرها التشغيلي الطويل.
تخزين الطاقة باستخدام الجاذبية: تقنيات متنوعة
تُستخدم طريقة تخزين الطاقة على شكل طاقة وضع، وهي الطاقة الناتجة عن وضع جسم على ارتفاع في مجال الجاذبية، منذ أكثر من قرن. وقد استُخدمت أنظمة كهرومائية لتخزين الطاقة بين خزانين، أحدهما أعلى من الآخر.
في هذه الأنظمة، تقوم المضخات برفع المياه إلى أعلى باستخدام الطاقة المتولدة من الخلايا الضوئية خلال النهار، ثم تُطلق المياه إلى أسفل عبر التوربينات في الليل أو خلال ساعات الذروة. هذه العملية فعّالة وموثوقة، لكنها تتطلب تضاريسًا مناسبة مع وجود خزانات مرتفعة وأحواض مائية كبيرة، وهي شروطٌ غير متوفرة في العديد من المناطق.
يمكن أيضًا استخدام أوزان صلبة ورفعها في أبراج شاهقة. لا تتطلب هذه الطريقة سوى ارتفاع كافٍ لرفع وخفض الكتلة.
محاولات في أرض الواقع: مشاريع تجريبية واعدة
قامت الحكومة الصينية، بالتعاون مع شركة Energy Vault السويسرية، ببناء نظام بطاريات جاذبية يُسمى EVx في مدينة رودونج الصينية. يبلغ ارتفاع مبنى EVx أكثر من 120 مترًا، وهو برج ميكانيكي ضخم يُستخدم لرفع كتلٍ عملاقة تزن 24 طنًا عند توفر الطاقة الزائدة. وعندما تحتاج الشبكة إلى المزيد من الطاقة، يتم خفض الكتل وتحويل طاقتها الكامنة إلى كهرباء.
يُنتج النظام طاقة قصوى تبلغ 25 ميجاوات ساعة، وسعة إجمالية تصل إلى 100 ميجاوات ساعة، مع كفاءةٍ تتجاوز 80%. ويُتوقع أن يعمل النظام بكفاءة لمدة 35 عامًا على الأقل، مما يُمثّل حلًا طويل الأمد.
يتكون النظام من مواد متوفرة بسهولة، مثل التربة أو الرمل أو النفايات المعاد تدويرها، ويعتمد بناء البرج على العمالة والموارد المحلية، مما يُقلل التكاليف مقارنةً باستخدام الليثيوم أو المعادن النادرة الأخرى.
بطاريات الجاذبية والمناجم: استغلال الفراغات
قامت شركة Gravitricity الناشئة في إسكتلندا باختبار منصة بقدرة 250 كيلو وات في ميناء ليث، حيث قامت برفع وخفض وزنين يبلغ وزن كل منهما 25 طنًا. وقد أثبت هذا الاختبار نجاح مفهوم إسقاط الأوزان بالتتابع، مما يُسهم في تنعيم منحنى الطاقة.
تهدف الشركة الآن إلى نشر هذه التكنولوجيا في المناجم المهجورة. فبدلًا من بناء هياكل شاهقة على السطح، تخطط الشركة لتعليق أوزان ضخمة تحت الأرض. بعض المناجم تمتد إلى عمق ثلاثة كيلومترات، وهو ما يتجاوز ارتفاع معظم ناطحات السحاب، وهذا يُترجم إلى قدرة تخزين طاقة أكبر بكثير.
على الرغم من الإمكانات الواعدة لبطاريات الجاذبية، إلا أنها ليست حلًا مثاليًا لجميع الحالات. فهي ليست فعّالة لتخزين الطاقة على مستوى المنازل أو الأفراد. أظهرت دراسة أن رفع كتلة خرسانية تزن 2000 كجم في منزل لا يُخزن سوى طاقة تعادل 12 بطارية AA فقط.
من العوامل التي تحد من انتشار هذه التقنية في المنازل صعوبة بناء برج كبير بما يكفي لتخزين كميات كبيرة من الطاقة، بالإضافة إلى التكلفة العالية والتعقيد البنائي.
بالإضافة إلى ذلك، قد يُشكل التآكل المادي للمكونات الميكانيكية، مثل الرافعات والكابلات، مصدر قلق على المدى الطويل. لكنّ مُؤيدي هذه التقنية يُشيرون إلى أن الصيانة المنتظمة أسهل بكثير من تحديات إعادة تدوير البطاريات الكيميائية.
تُشكل مسألة العقارات عقبةً أخرى. فبينما لا تحتاج أنظمة تخزين الطاقة بالجاذبية إلى بحيرات جبلية، إلا أنها تتطلب هياكل شاهقة أو أعمدة عميقة. وقد تُواجه المناطق الحضرية صعوبة في بناء أبراج ضخمة، وقد تكون المناطق الريفية أو الصناعية السابقة أكثر ملاءمة، لكن جدوى كل مشروع تعتمد على القوانين المحلية والقبول العام.