فى أشهر النفحات والإحسان.. ما هي صفات النبى العدنان صلى الله عليه وسلم؟

فى هذه الأيام الطاهرة الطيبة، أشهر النفحات والبركات، والعفو والإحسان من ربنا الرحمن.. شهر رجب وشعبان ورمضان، وما تزخر به من نفحات الإسراء والمعراج وتحويل القبلة ونزول القرآن، وشعائر الصيام والقيام.. يطيب لنا أن نتوقف مع صفات النبى صلى الله عليه وسلم الخُلقية والخِلقية، لعلنا نتعلق منها بسبب تطمئن به قلوبنا وتسكن إليه نفوسنا، ونهتدى بها فى تلك الحياة، حتى نلقاه صلى الله عليه وسلم على حوضه الشريف فنشرب من يده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبدا.

 وكيف لا .. ونبينا صلى الله عليه وسلم أشرف الخلق والمرسلين، خصه الله سبحانه وتعالى بجميل الصفات والأخلاق، أدبه فأحسن تأديبه، وأرسله رحمة للعالمين إلى يوم الدين.

لقد تعلقت قلوب الصحابة رضى الله عنهم بالنبى صلى الله عليه وسلم، فما تركوا شيئا من صفاته وعاداته وحركاته وسكناته إلا وصوروه وحفظوه لنا  فى إعجاز فريد لم يحدث لبشر قط، ولن يحدث لأحد أبدا رغم تقدم أسباب الحفظ والتصوير..

فهلموا بنا نستريح لحظات طيبات، وهذه الصفات العطرات لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

عن الحسن بن علي بن أبي طالب قال: سألت خالي هند بن أبي هالة التميمي- وكان وصافا- عن حلية النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخما مفخما، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع وأقصر من المشذب، عظيم الهامة، رجِل الشعر، إن انفرقت عقيصته فرق وإلا فلا، يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره، أزهر اللون، واسع الجبين أزج الحواجب، سوابغ في غير قرن، بينهما عرِق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، سهل الخدين، ضليع الفم، أشنب، مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادن، متماسك، سواء البطن والصدر، عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، سبط القصب، شثن الكفين والقدمين، سائل الأطراف، خمصان الأخمصين، مسيح القدمين، ينبو عنهما الماء، إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه، يبدأ من لقي بالسلام.

 قلت: صف لي منطقه. قال: كان صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، لا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم، كلامه فصل لا فضول ولا تقصير، دمث ليس بالجافي ولا المهين، يعظم النعمة وإن دقت لا يذم منها شيئا، لا يذم ذواقا ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا ولا ما كان لها وإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها فيضرب بباطن راحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم ويفتر عن مثل حب الغمام.

قال: فكتمتها الحسين زمانا ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه فسأله عما سألته عنه ووجدته قد سأل أباه عن مدخله ومخرجه وشكله فلم يدع منه شيئا.

قال الحسين: سألت أبي عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه مأذونا له في ذلك فكان إذا آوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزءا لله عز وجل وجزءا لأهله وجزءا لنفسه، ثم جزءا جزأه بينه وبين الناس، ويرد ذلك إلى العامة ولا يدخر عنهم شيئا، فكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه، وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة من مسألتهم عنه وإخبارهم بالذي ينبغي لهم ويقول: ليبلغ الشاهد الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته؛ فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ثبت الله قدميه يوم القيامة ولا يذكر عنده إلا ذاك ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون روادا ولا يفترقون إلا عن ذواق ويخرجون أدلة.

قال: فسألته عن مخرجه: كيف كان يصنع فيه؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخزن لسانه إلا مما يعنيهم ويؤلفهم ولا يفرقهم، ويكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه، يتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس ويحسن الحسن ويقويه، ويقبح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا، لكل حال عنده عتاد لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة.

فسألته عن مجلسه فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، ولا يوطن الأماكن، وينهى عن إيطانها، إذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائه بنصيبه، لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو فاوضه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم، ولا تثنى فلتاته، متعادلين يتفاضلون فيه بالتقوى متواضعين يوقرون فيه الكبير، ويرحمون الصغير، ويؤثرون ذوي الحاجة، ويحفظون الغريب.

قال: قلت: كيف كانت سيرته في جلسائه؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا فحاش ولا عياب ولا مزاح يتغافل عما لا يشتهي، ولا يوئس منه راجيه ولا يخيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والإكثار وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا ولا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة من منطقه ومسألته حتى إن أصحابه ليستجلبونهم ويقول: إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فأرشدوه، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام.

قال: قلت: كيف كان سكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان سكوته صلى الله عليه وسلم على أربع: على الحلم وعلى الحذر والتقدير والتفكر فأما تقديره ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس وأما تذكره أو قال تفكره ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم في الصبر فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه وجمع الحذر في أربع: أخذه بالحسن؛ ليقتدى به، وتركه للقبيح؛ ليتناهى عنه، واجتهاد الرأي فيما أصلح أمته، والقيام فيما يجمع لهم الدنيا والآخرة.. صلى الله عليه وسلم.

وإكمالا للفائدة نذكر بعض ما قاله العلماء فى معنى المفردات السابقة.. فالمشذب: المفرط في الطول، ورجل الشعر: شعره ليس مفرودا تماما ولا شديد الجعودة بل هو بين ذلك. وأزج الحواجب سوابغ: حواجبه فيها تقوس مع طول في أطرافها. وفي غير قرن أى عدم التقاء الحاجبين حتى يتصلا. وأقنى العرنين يعني: الأنف يكون فيه دقة مع ارتفاع في قصبته. وكث اللحية أى فيها كثافة من غير عظم ولا طول. وأشنب: في أسنانه رقة وتحدد. والمفلج الذي في أسنانه تفرق. والمسربة: الشعر بين اللبة إلى السرة شعر يجري كالخط. ومعنى جيد دمية: الجيد العنق والدمية الصورة. وضخم الكراديس: هي العظام. وسبط القصب: طول العظام. وشثن الكفين والقدمين يريد أن فيهما بعض الغلظ. والأخمص من القدم: باطنها يعني أن ذلك الموضع من قدميه في تجاف عن الأرض وارتفاع. مسيح القدمين يعني أنهما متساويتان ملساوان ليس في ظهورهما تكسر. وينبو عنهما الماء يعني أنه لا ثبات للماء عليهما. كأنما ينحط من صبب أى أنه مقبل على ما بين يديه غاض بصره لا يرفعه إلى السماء، فهو خافض الطرف نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء. وإذا التفت التفت جميعا يريد أنه لا يلوي عنقه دون جسده. ودمث: وهو اللين السهل. ومعنى يفتر عن مثل حب الغمام الافترار أن تكشر الأسنان ضاحكة من غير قهقهة. وحب الغمام البرد شبه به بياض أسنانه. ولا يوطن الأماكن أي لا يجعل لنفسه موضعا يعرف إنما يجلس حيث ينتهي به المجلس.

صلى الله عليه وسلم دائما أبدا، ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون..

زر الذهاب إلى الأعلى