في دولة يشتبك فيها الماضي بالحاضر ويرسمان معًا خطوط المستقبل، تستحضر المخرجة آني سكاب في فيلمها القصير غنينا قصيدة ماضي عائلتها الذي يحتوي في ذاته ماضي شعب بأكمله، وحكاية قصيدة صامدة أمام الزمن تروي حكاية فلسطين.
في الفيلم الوثائقي ذو الإنتاج الكندي الفلسطيني الأردني المشترك، والذي يشهد عرضه الأول بالعالم العربي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (13 – 22 نوفمبر) تستخدم آني سكاب وهي مخرجة أفلام ومصورة صحفية مستقلة، قصيدة للشاعر والمعلم الفلسطيني خليل السكاكيني اعتاد أن يغنيها لها أباها وعمها في صغرها لتحكي بها عن وطنها المفقود.
تبدأ آني الفيلم من لحظة بحاضرها، من عبورها الجسر إلى داخل فلسطين، الذي عبرته قبل سنوات طويلة مع عائلتها إلى خارج البلاد تاركين كل شيء ورائهم عدا تلك القصيدة. ومع عبورها الجسر، تسترجع سكاب اللحظات التي عاشتها في فلسطين بالماضي، وتستخدم لغتها السينمائية الخلابة في التنقل بين الماضي والحاضر، حيث تتذكر فلسطين التي كانت، وتكتب رسالة إلى عمها إلياس عن طفولة قضتها معه على أرض الوطن يستمعون إلى قصيدة “نحن قوم أبيونا” التي كتبها السكاكيني عام 1925 ليحمي أرضه التي خشي خسارتها، ويتغنون هم بها بعد سنوات طويلة ليحفظون وطنهم المسلوب من الضياع.
“أصبحت القصيدة موضوعًا لطفولة أجيال تتذكر الوطن. وهكذا اتخذت القرار على الفور، حيث أردت أن أصنع فيلمًا لإنقاذ هذه القصيدة والموسيقى من الضياع إلى الأبد، إهداءً لعائلتي وفلسطين.”
تركز سكاب في أفلامها على قضايا الهوية والعدالة الاجتماعية، بدأت فكرة الفيلم لديها والذي شارك بول لي في كتابته، برغبة ملحة في صناعة فيلمًا عن عائلتها تكريمًا لعمها ولوطنها المفقود في فلسطين، وعن الصدمة التي توارثتها أجيال بعد أجيال. قامت بمزج لقطات أرشيفية لعائلتها وللمقاومة ولشعب فلسطين الذي عاش على أرضه ثم اضطر إلى مغادرتها، ولقطات تمثيلية لطفلين يمثلان طفولتها، واختارت أن تكون باللونين الأبيض والأسود، لأن الزمن قد توقف بالطفلة الصغيرة عند ماضٍ بعيد لازال يحاصر حاضرها ويلقي بظلاله على مستقبل غير واضح.
يصاحب اللقطات تسجيلات صوتية قديمة لعمها يتحدث عن لحظات تهجيرهم من فلسطين، وتعليق صوتي برسالة تهديها إليه، تنتقل سكاب ذهابًا وإيابًا بين كل هذا بأسلوب سلس حتى يستحيل التفرقة بين ما فات وما يجري، وتذوب الفروق ولا يبقى سوى تلك الغصة التي تتشاركها الأجيال.