حصدت شركات الدفاع الأوروبية أرباحاً هائلة، مدعومة بزيادة النفقات العسكرية التى اندفعت إليها بعض دول الاتحاد جراء الحرب الحرب الروسية الأوكرانية، غير أن تلك الأرباح لم تبدد من مخاوفها حيال مستقبل السنوات القادمة مع بروز صعوبات ربما تحول دون قدرة الاتحاد الأوروبى على إعادة تسليح بلدانه لمواجهة التهديدات الجيوسياسية والأمنية المتصاعدة بخلاف حالة عدم اليقين مع فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية.
وترى مجلة “بوليتيكو- أوروبا” أن الاتحاد الأوروبي يواجه تصاعداً غير مسبوق للتهديدات الأمنية، واحتياجه لنحو 500 مليار دولار كاستثمارات دفاعية إضافية على مدار العقد المقبل، مشككة في مدى وضوح رؤية الأوروبيين بشأن كيفية تدبير تلك الأموال، سواء من الميزانيات العسكرية للدول الأعضاء في الاتحاد، أو من ميزانية التكتل متعددة الأعوام، أو بإصدار سنوات مدعومة من جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة.
ويأتي الإعلان عن أرباح شركات السلاح الأوروبية ليجعل من الصعوبة بمكان أن تسوق تبريرات وأعذار من أجل الاقتراض لتمويل استثمارات إنتاج المزيد من الأسلحة.
وكشفت نتائج الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري، عن تحقيق شركات السلاح الأوروبية أرباحاً قياسية، فمن جانبها حققت شركة “ثاليس” الفرنسية ارتفاعاً في مبيعاتها بنسبة 6.2% لتصل إلى 14 مليار يورو (اليورو يعادل 1.08 دولار أمريكي)، مقارنة بمبيعاتها في الفترة ذاتها للعام الماضي، فيما تعززت مبيعات الشركة الفرنسية بتصاعد نفقات الدفاع والأمن.
وشهدت شركة “ساب” السويدية قفزة هائلة في الطلبات بنسبة 71% لتبلغ 79 مليار كورونا (بما يعادل 6.9 مليار يورو).
وفي ألمانيا، حققت شركة “راينميتال” زيادة كبيرة في مبيعاتها ونتائج أعمالها خلال النصف الثاني من الجاري، ويتوقع أن تصل مبيعاتها لمستوى قياسي يصل إلى 10 مليارات يورو، وهامش ربح تشغيلي يتراوح بين 14 و15 في المائة بالنسبة للعام الجاري بأكمله.
ويتوقع أكبر 15 من مقاولي الدفاع على مستوى العالم الحصول على تدفقات نقدية تصل إلى 52 مليار دولار في عام 2026، وهو ما يقترب من ضعف ما تحصلت عليه في عام 2021، وتشير اتجاهات سوق الدفاع والتسليح إلى توقع استمرارية الصعود في السنوات اللاحقة.
وعادة ما يرقب السياسيون تلك الارتفاعات الكبيرة في أرباح شركات الدفاع والأسلحة، كما حدث أثناء الحربين العالميين الأولى والثانية في القرن الماضي، ويطالبون بضرورة فرض ضرائب على شركات السلاح التي تنتعش مبيعاتها وأعمالها خلال فترات الحروب، وهو ما حدث أخيراً في إيطاليا والولايات المتحدة.. ففي أوكرانيا، تفرض الحكومة لوائح تنظيمية على الأرباح التي يمكن أن تجنيها شركات الدفاع من الطلبات الرسمية، غير أن ذلك يولد قلقاً بأن يضر بحدودها الدنيا من الإنتاج ويحد من قدرتها على الاستثمار.
وعن مفارقات وتناقضات عالم التسليح والسياسة، تنقل مجلة “بوليتيكو” عن جان باي، السكرتير العام لاتحاد صناعات الجو والفضاء والأمن والدفاع الأوروبي قوله: “عديد من شركات الدفاع الأوروبية استثمرت فعليا لزيادة سعاتها الإنتاجية في السنوات الأخيرة، وأخذت على عاتقها مخاطرة الحد من أعمالها قدر الإمكان، حال عدم توافر طلبات شراء مؤكدة.”
ورغم ذلك، فإن بريق كنز الأرباح الذي حققته شركات الدفاع التي تحصل على بعض المزايا من البرامج الحكومية أثار حفيظة بعض السياسيين، فعلى سبيل المثال، فإن الشركة الألمانية “راينميتال” تعد مستفيداً رئيساً من المخصصات التي يتيحها “قانون دعم إنتاج الذخائر للاتحاد الأوروبي وقدرها 500 مليون يورو.
وتنقل المجلة تعليق هنا نيومان عضوة حزب الخضر الألماني في لجنة الدفاع الفرعية قولها “نحتاج أن ترفع شركات الدفاع الكبرى من مستويات إنتاجها من الذخائر بسرعة، وهناك حالات دعمها الاتحاد الأوروبي والأعضاء”، لكنها تساءلت “لماذا تتلقى شركات سلاح كبرى ذات ربحية عالية مثل “راينميتال” منحاً بالملايين؟.. لذا فإن القروض والمنح بشروط سداد معينة استناداً إلى الربح سوف تؤدي نفس الغرض، دون أن نقوم بمنحها تبرعات غير ضرورية.”