عالم بالأزهر: إفشاء أسرار المرضى خيانة ونفاق ويخالف قسم نقابة الأطباء
قال الشيخ أحمد المالكى ،من علماء الازهر الشريف، إن الناظر في الشريعة الإسلامية ومقاصدها ليتضح له أن المحافظة على الأسرار واجبٌ شرعيّ ، فالحفاظ على السر يُعتبر واجبا دينيا وأخلاقيا، كما أن إفشاء الأسرار يشكل خطورة بالغة على الثقة بين الناس في التعامل وضياعا لها؛ لذا أقرت مهنة الطب الحفاظ على أسرار المهنة .
واضاف في تصريحات خاصة ، أن كتمان السر المهني من الأمانة المهنية، المفروضة بالقانون والعرف ولذلك الأسرار أمانات ، وإفشاؤها من غير ضرورة ملزمة – بما يُحدده القانون – خيانة ، ونقضٌ للعهد المُبرم بين الطبيب والدولة ، وبينه وبين المريض ولو عُرفًا ، قال تعالى : { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا } الإسراء ( 34)، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}. الأنفال: (27-28).أي: ولا تخونوا أماناتِكم فيما بَينَ بَعضِكم وبَعضٍ، من المعامَلاتِ الماليَّةِ وغيرِها، حتى الشُّؤونِ الأدبيَّةِ والاجتماعيَّةِ؛ فإفشاءُ السِّرِّ خيانةٌ مُحَرَّمةٌ كما قال المراغي في تفسيره.
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له). رواه أحمد، بل إفشاء الأسرار خصلة من خصال النفاق كما في الحديث الذي في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” أربع مَن كنَّ فيه كان منافقاً خالصاً ، ومَن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا ائتُمِن خان ، وإذا حدَّث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر ” .
وليس شرطًا أن يكون العقدُ المبرَم بين الطرفين مكتوبًا ، أو أن يُخبر المتكلمُ أو المريض الطرف الآخر بكتم الحديث أو المرض ، بل العُرف محدد لذلك ، أو القرينة ، أو القانون ، ولذلك شدّد النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، ففي حديث الترمذي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الْحَدِيثَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ) . وأخرج الإمام أحمد عن أبي الدرداء : ( من سمع من رجل حديثا لا يشتهي أن يذكر عنه فهو أمانة وإن لم يستكتمه ) .
ولذلك تحدث الفقهاء والعلماء عن حكم إفشاء الأسرار ، واعتبروه خيانة وخسة ولؤمًا ، كما قال الإمام الغزاليُّ: (إفشاءُ السِّرِّ هو منهيٌّ عنه لِما فيه من الإيذاءِ والتَّهاوُنِ بحَقِّ المعارِفِ والأصدقاءِ، وهو حرامٌ إذا كان فيه إضرارٌ، وهو مِن قَبيلِ اللُّؤمِ إن لم يكُنْ فيه إضرارٌ).
وقال ابن مفلح في ( الفروع ) : ( ويلزمُ الْغَاسِل سَتْرُ الشَّر لَا إِظْهَارُ الخير، فِي الأشهر فيهما، نقل ابن الحكم : لَا يُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا، وَكَمَا يَحْرُمُ تَحَدُّثَهُ وَتَحدُّث الطَّبِيبِ وَغَيْرُهُمَا بِعَيْبٍ ).
وجاء في مطالب أولي النهى بعد أن ذكر أنه يجب على الغاسل ستر شر رآه في الميت: (كطبيب في ستر عيب رآه بجسد مطبوب، فيجب عليه ستره، فلا يُحدِّث به؛ لأنه يؤذيه، ومثله الجرائحي).
وقديمًا ذكر الرازي- رحمه الله – في أخلاق الطبيب : ( واعلم يا بني أنه ينبغي للطبيب أن يكون رفيقا بالناس، حافظا لغيبهم، كتوما لأسرارهم، لاسيما أسرار مخدومه، فإنه ربما يكون ببعض الناس من المرض ما يكتمه من أخص الناس به، مثل أبيه وأمه وولده، وإنما يكتمونه خواصهم، ويفشونه إلى الطبيب ضرورة).